أخر الموضوعات

التعلم الإلكتروني وأدواته - نحو تعلم إلكتروني عصري وفعال


التعلم الإلكتروني وأدواته - نحو تعلم إلكتروني عصري وفعال



غالباً ما يبرز الحديث عن استخدام التقنيات الحديثة في التعليم أو التعلم الإلكتروني عندما نتحدث عن تطوير التعليم وتجويد مخرجاته، ويعود ذلك لأسباب عدة أهمها أن تحسين العملية التعليمية ورفع جودتها هو من أهم أهداف التعلم الإلكتروني كما أن أدوات التعلم الإلكتروني حققت نجاحات ملحوظة في هذا المجال وكانت هذه النجاحات مشفوعة بأدلة ساقها باحثين ومهتمين بمختلف قضايا التعليم. وفي ظل هذا الزخم الهائل من تقنيات التعلم الإلكتروني المتوافرة ينبغي على المؤسسات الأكاديمية أن تنظر ببالغ الأهمية للتقنيات الحديثة وتتابع المتغيرات المتسارعة وتحللها كي تخرج بتوصيات حول الكيفية المثلى للاستفادة منها.

وفضلاً عن أنه لم يعد بإمكان المؤسسات التعليمية الآن استبعاد استخدام التكنولوجيا، فليس بمقدورها أن تقصر استخدامها على برمجيات أو نظم معينة في حال أرادت هذه المؤسسات المنافسة و اللحاق بركب المؤسسات المتميزة، فعلى سبيل المثال تستخدم العديد من الجامعات نظم إدارة التعلم (Learning Management Systems) أو ما يوازيها من نظم مثل بيئات التعلم الإفتراضية كأداة للتعلم الإلكتروني. وهنا يجب أن نسجل أن هذه النظم سيطرت على سوق التعلم الإلكتروني لفترة طويلة نسبياً، لكن ظهور بعض الأدوات والتقنيات الأخرى على سبيل المثال لا الحصر: بيئات التعلم الشخصية (Personal Learning Environment)،  ويب 2 (web 2.0)، الحوسبة السحابية(Cloud Computing)، بيئات التعلم السحابية (Cloud Learning Environment)، الخ  فتح الباب واسعاً لتطوير التعلم الإلكتروني وتنويع الأدوات المستخدمة لتحقيق أهداف المؤسسة بشكل أكثر فاعلية. لم تكن بدايات ظهور هذه الأدوات التقنية مقنعةً بشكل كاف -على الأقل للمؤسسات التعليمية- لاستخدامها ولكن التطورات الهائلة والتحسينات التي تطرأ عليها تجعل من تجاهل استخدامها أمراً صعباً. حيث يصعب أن تجد هذه الأيام مؤسسة تستبعد استخدام الحوسبة السحابية - ولو في نطاق محدود- في ظل الخدمات الهائلة المتوفرة من مزودي الحوسبة السحابية مثل جوجل، أمازون، IBM وغيرهم[1] . والحوسبة السحابية يمكن تبسيطها من خلال النظر إليها على أساس أنها تقنية تمكن المستخدم من الاستفادة من مصادر أو منصات أو برمجيات بشكل افتراضي، ما يعني أن هذه البرامج مثبتة على سيرفرات وخوادم تابعة لشركات معينة وليس على جهاز المستخدم الشخصي و اتصال المستخدم بالانترنت هو ما يمكنه من الوصول إلى هذه الخدمات. وهذا النمط من النظم الموزعة يتيح للمستخدمين العديد من المزايا مثل تجاوز قدرات أجهزتهم حيث يتم نقل عبء تنفيذ البرامج وتخزينها وما إلى ذلك إلى خوادم الشركات التي تقدم هذه الخدمات بدلاً من جهاز المستخدم، كما أن الاحتفاظ بالبيانات وصيانتها سيكون من مسؤوليات الشركات المزودة وليس المستخدم. بالإضافة إلى ما ذكر، هناك العديد من المميزات الأخرى مثل توفير مصادر المؤسسات البشرية والمادية من أعمال إدارية و جهد ومصادر مالية[2] . فمن الباحثين من قدر أنه يمكن توفير ما يقارب من 50% من التكاليف في حال اعتماد المؤسسة على الحوسبة السحابية وتختلف هذه التقديرات نظراً لاستنادها إلى كثيرٍ من العوامل مثل مدى استخدام المؤسسة للتكنولوجيا، والنموذج التي تستند إليه هذه المؤسسة، وخصائص المستخدمين وكم ونوعية البيانات التي يقومون باستخدامها وتخزينها إلى غير ذلك من العوامل. بيد أن كل ما ذكر لا يمنع وجود بعض المحاذير المرتبطة باستخدام هذه التقنية والتي يجب دراستها بشكل مناسب في حال رغبت المؤسسة باتخاذ قرار بخصوص استخدام الحوسبة السحابية [3].المزيد



يعتبر القطاع التعليمي من أكثر القطاعات التي يُتَنَبّأ بتوجهها نحو الحوسبة السحابية مستقبلاً نظراً للمميزات المذكورة آنفاً إضافةً إلى أنه يدفع المؤسسات التعليمية ومنتسبيها إلى الاستفادة من المصادر التعليمية المتاحة على الشبكة العنكبوتية ما يعد رافداً مهماً لهذه المؤسسات. لم يولد هذا التوجه من فراغ بل كان استجابة لظهور هذه التقنيات ولنداءات المتخصصين التربويين لتطوير التعليم وأدواته. وكما أن هذه التغيرات تدفع المؤسسات التعليمية لإعادة حساباتها فإنها كذلك تدفع الشركات والمؤسسات التي تقود سوق التعلم الإلكتروني للتفكير ملياً في تطوير خدماتها، فكما يتضح من شكل رقم (2) أن أكثر نظم التعلم الإلكتروني انتشاراً هي Blackboard ومن ثم Moodle  . وهما بالأساس نظاما تعلم إلكتروني يستندان إلى المساقات (Course-based LMS) ولكنهما طورا بعض الخدمات للانتقال إلى ما يسمى بنظام تعلم إلكتروني مستند إلى الحوسبة السحابية (Cloud-based LMS) وهو ما يتوقع الباحثون تطويره في المستقبل القريب حيث ظهر نظام Moodlerooms كما قامت شركة بلاك بورد بتطوير خدمة مشابهة ولكن بمعايير مختلفة تتفق مع توجهات الشركة الربحية.

استخدام الحوسبة السحابية فرض واقعاً تقنياً أكثر حريةً – إن صح التعبير- على المتعلم، فأصبح بإمكان المتعلم البحث عن الكثير من المصادر وإنشاء مواقع شخصية له وعرض ومشاركة الكثير من الملفات والمصادر والخدمات مع زملائه أو مدرسيه، وفي بعض الأحيان يكون لدى المتعلم نفس الصلاحيات التي يتمتع بها مدرس المساق فمثلاً لدى الأستاذ الجامعي والطالب القدرة على مشاركة أو إنشاء نص معين أو نقاش ما في الشبكات الاجتماعية بنفس الدرجة تقريباً وهذا فرض تحدياتٍ أخرى يجب الاستجابة لها. وتكون الاستجابة هنا عبارة عن مزيجٍ من القوانين والسياسات التي يمكن أن تسنها المؤسسة التعليمية بمساعدة الأساتذة والخبراء حيال هذه الأدوات واستخداماتها بالإضافة إلى مهارات التعلم الذاتي التي يجب صقلها لدى المتعلمين.
يساند هذا التوجه العديد من الباحثين بل ويعتبرونه استخداماً أكثر فاعلية للأدوات التقنية في التعليم، حيث نجد على سبيل المثال عدداً كبيراً من الأبحاث التي تركز على مفهوم التعلم المنظم ذاتياً (Self-Regulated Learning) وهو ما يقصد به التعلم المعتمد في إدارته وتنظيمه على المتعلم نفسه. والمتعلم هنا يقوم بأنشطة التعلم مدفوعا برغبة ذاتية نحو التعلم معتمدا على مصادر متعددة، وإن كان يعتمد على تدخلات وتوجيهات من قبل المعلم مثل توجيهه نحو أنشطة أو مصادر معينة. ورغبة في الاستفادة من هذا النمط في التعلم أفضى مشروع (Responsive Open Learning Environment)-ROLE  إلى نتائج تتعلق بتطوير أدوات تعلم إلكتروني تستند إلى احتياجات المستخدم وتفضيلاته(needs and preferences)، حيث يبنى ملف لكل متعلم ويتم النظر إلى مهاراته ومن ثم تزويده بالخدمات التعليمية المناسبة له والتي قد لا تناسب زملاؤه على اعتبار الفروقات الفردية بين المتعلم وهذا ما يسمى بـتخصيص التعليم لصالح المتعلم Personalization، حيث تُوفر الأدوات المناسبة لشخصية المتعلم.
أما عن كيفية الحصول على احتياجات المستخدمين و تفضيلاتهم فهذا مجال بحثي واسع لكن ما يجدر الإشارة له هنا هو التطور الحاصل في مواصفات و معايير التعلم الإلكتروني (e-learning Standards and specifications). حيث لم يعد الاعتماد على معيار SCORM وحدها كافياً للقيام بتعلم إلكتروني عصري، وتمثل ذلك بإصدار Tin Can API or Experience API والتي تسمح بالتقاط التغير الحاصل في خبرات المتعلم وتسجيله  والاحتفاظ به حتى يتم بناء عليه في وقت لاحق تقرير ما هي الأنشطة التي ستتاح لهذا المتعلم وكيفية إتاحة هذه الأنشطة . حيث يتم تخزين هذه البيانات في ما يعرف بـ Learning Record Store (LRS) والتي يمكن لها أن تتعاون مع نظم التعلم الإلكتروني من خلال توفير سجلات وخبرات المتعلمين لهذه النظم كما يمكن لها أن تعمل بشكل مستقل أيضاً.
استخدام التقنيات في التعليم والتعلم لا يقف عند برنامج معين أو أداة معينة، بل هناك إمكانية لاستخدام برامج كثيرة في مراحل التعليم المختلفة أو حتى في تغذية قرارات المؤسسة أو أحد مكوناتها (المعلم مثلاً)، وهذه البرامج هي بمثابة أدوات تطرح حلولاً لتحديات مهمة مثل تقييم الطلبة وتزويدهم بالخدمات المناسبة للمشاكل التي يواجهونها. فعلى سبيل المثال، تستخدم كثير من المؤسسات التجارية أدوات خاصة بتحليل بيانات زبائنها وعملائها لتحدد مستوى الرضى لديهم وتستقرئ إمكانية استمرار هؤلاء الزبائن مع المؤسسة في ظل المنافسة الشرسة أو تسربهم لصالح منافسين آخرين. وقطاع التعليم لا ينبغى أن يشكل استثناءً من هذا لكن ليس على قاعدة المنافسة بين المؤسسات وإن كان هذا وارداً بل على قاعدة تحليل بيانات المتعلمين و تحديد مستوى استيعابهم لمختلف مفاهيم التعلم أو خصائص تعلمهم. هذا التحليل الذي قد يبدو بسيطاً لبعض المعلمين أو المؤسسات التعليمية هو فعلياً عملية في غاية التعقيد خصوصاً إذا ما توفر كم هائل من الأنشطة والمتعلمين وكيفية استجابات هؤلاء المتعلمين لتلك الأنشطة. ويتم هذا التحليل من خلال أدوات متوفرة وباستخدام تقنيات معينة أهمها تنقيب البيانات (Data Mining) أو التحليل الذكي للبيانات. وغالباً ما يتبع عمليات تحليل بيانات المتعلمين توصيات موجهة للمؤسسات التعليمية أو للمعلمين تهدف إلى إرشاد المعلمين للكيفية التي يمكن من خلالها تكييف أساليب الشرح والتوضيح لميول الطلبة وقد تصدر تقارير تتنبأ بمستقبل الطلبة أو تصنف الطلبة لشرائح عدة (متميز، جيد، متوسط، ضعيف أو يحتاج لمتابعة، إلخ.) ويمثل برنامج Course Signal أحد هذه الأمثلة، بينما تمثل Student Activity Meter (SAM) والتي كانت أحد مخرجات مشروع ROLE أداة لتحليل تفاعل المتعلم مع محيطه في محاولة لدعمه في اتخاذ قرارات ترتبط بتعلم فعال[4]. ويكاد لا يوجد مؤسسة تعليمية لا ترغب في الانضمام للتصنيفات العالمية للجامعات المرموقة، ومن المسلم به أن أحد معايير هذه التصنيفات هو نسبة الأساتذة للطلبة في الجامعات على اعتبار أن تقارب هذه النسبة (أستاذ لكل عشرين طالباً أقرب من أستاذ لكل 80 طالباً) يعطي فرصة أكبر للأستاذ للتواصل مع طلابه عن كثب والاطلاع على مستوياتهم بشكل أفضل. وإذا ما تم استخدام هذه الأدوات التحليلية بشكل مناسب فقد يعطي ذلك المؤسسات التعليمية الفرصة لتقديم أفضل ما لديها لمتعلميها.
ختاماً، هناك تغير مستمر يحدث في كل جوانب التعليم يبدأ ببيئة التعلم، التقنيات المطروحة، حاجات المتعلمين ورغباتهم، مواصفات ومعايير أدوات التعلم، لذا يجب على المؤسسات التعليمية السعي وبكل قوة للتكيف مع هذه المتغيرات وتضمينها بشكل استراتيجي ضمن خططها لتكون في طليعة المؤسسات التعليمية. وهذا الأمر ليس سهلاً لكن هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تساعد في ذلك، مثل: توفير الأرضية الأساسية للتعلم الإلكتروني مثل وجود نظام تعلم إلكتروني في الجامعة، المرونة في اختيار أدوات وبيئات التعلم وتشجيع المبادرات الفردية ووضع محددات ومعايير تساعد على نجاحها، التخلي عن سياسة خيار واحد لجميع المتعلمين أو البرامج (one size fits all) فما يصلح لطلبة كلية التمريض قد لا يناسب طلبة كلية الهندسة أو طلبة قسم الصحافة، تحليل التجارب الناجحه والاهتمام بها، العمل بالتوازي وعن قرب مع كافة مفاصل العمل الأكاديمي وتضمين أهداف التعلم الإلكتروني ضمن خطط الكليات والأقسام أو بالأحرى ضمن أنشطتهم بهدف تبني الأسلوب اللامركزي في التعاطي مع نشر الممارسات الإيجابية للتعلم الإلكتروني، التقييم المستمر والاستفادة من ملاحظات الأساتذة والمتعلمين.

ليست هناك تعليقات