أخر الموضوعات

استراتيجيات التدريس المتمايز: استراتيجية المحطات العلمية

 استراتيجيات التدريس المتمايز: استراتيجية المحطات العلمية
المحاكاة التفاعلية

استراتيجيات التدريس المتمايز: استراتيجية المحطات العلمية

المقدمة

لو كان هناك بائع يبيع جميع الأثواب بمقاس واحد بالرغم من تنوع وتعدد زبائنه؛ لقلنا إن هذا البائع يزهد في زبائنه ويكسد تجارته؛ وهنا يجدر التساؤل حول حال المعلم الذي يدخل إلى الصف وهو يعلم تنوع طلابه وتعدد احتياجاتهم؛ ومع ذلك فإنه يقدم للجميع تعليماً بمقاس واحد، غير آبه بتنوع وتعدد هؤلاء الطلاب، فهل يمكننا القول هنا بأن هذا المعلم يزهد في تلاميذه ويكسد علمه؟

التدريس المتمايز

تُعد استجابة المعلم لاحتياجات المتعلمين المتنوعة داخل الصف أحد أوجه التعليم العادل الذي يمنح للطلاب فرصاً متكافئة للتعلم؛ حيث أن الطلاب يحملون ذكاءات متعددة ويجيئون من بيئات متنوعة ويتعلمون بأنماط تعلم مختلفة، وهذا ما يستدعي من المعلم أن يراعي تلك الفروق والاختلافات، ويلبي احتياجاتهم من خلال تنويع التدريس أو ما يعرف بالتدريس المتمايز الذي تصفه كوجك وآخرون (2009) بأنه معرفة احتياجات المتعلمين المختلفة ومعلوماتهم السابقة واستعدادهم للتعلم ومستواهم اللغوي وميولهم وأنماط تعلمهم المفضلة ثم الاستجابة لكل ذلك في عملية التدريس. إذن تنويع التدريس هو عملية تعليم تلاميذ بينهم اختلافات كثيرة في فصل دراسي واحد، وتنبثق أهمية تحقيق التعليم المتمايز داخل الصف من الأسباب الآتية: (شواهين، 2014)
  • رفع مستوى التحصيل الدراسي لجميع الطلاب.
  • توفير الاحتياجات التعليمية لجميع الطلاب المتمايزين.
  • إتاحة قدر أكبر من الاستقلالية والحرية في التعلم للطلاب.
  • تحقيق ما توصلت إليه بحوث ودراسات المخ البشري، وكيف يحدث التعلم.
  • زيادة ثقة التلاميذ بأنفسهم وقدرتهم على التعلم.
ويُعد تطبيق التدريس المتمايز تحقيقاً لما نصت عليه وثيقة المعايير المهنية للمعلمين في المملكة العربية السعودية التي تؤكد على ضرورة تحقيق التدريس المتمايز المدرج ضمن معيار تخطيط وحدات التعليم والتعلم وتطبيقها والمتضمن في مجال الممارسات المهنية للمعلمين (هيئة تقويم التعليم، 2016)، ومن تلك الاستراتيجيات التي تحقق تدريساً متمايزاً داخل الصف: عقود التعلم، المجموعات المرنة، والمحطات العلمية.

استراتيجية المحطات العلمية

يعد دينز جونز Denise Jones هو مصمم استراتيجية المحطات العلمية بالتعاون مع زميلته سارا هاراش Sarah Harashe، حيث كان اكتظاظ الصف بالطلاب وشح موارد ومصادر التعلم دافعاً خلف تصميم هذه الاستراتيجية في العام 2007م، ويمكن وصف هذه الاستراتيجية بأنها تنقل مجموعات صغيرة من الطلاب خلال سلسلة من المراكز أو المحطات التي عادة ما تكون مجموعة من الطاولات المجهزة بأنشطة متنوعة؛ ويمكن أن تدوم هذه المحطات فترة فصل واحد أو عدة فصول (Jones, 2007).
ويشير كل من السامرائي والخفاجي (2014) إلى أن استراتيجية المحطات العلمية تنبثق عن ثلاث من الاتجاهات الفكرية هي:
  • الاتجاه البنائي: حيث تجعل هذه الاستراتيجية من الطالب محوراً للتعلم.
  • الاتجاه الاكتشافي: حيث يتمكن الطالب خلال هذه الاستراتيجية من ممارسة التجريب اعتماداً على عمليات العلم.
  • الاتجاه الاستقصائي: حيث يمارس الطلاب خلال المحطات العلمية مهارات عدة كالتخطيط والتنفيذ والتقويم في سبيل الوصول إلى المفهوم العلمي الجديد.
ولقد تطرقت عدد من الأبحاث لدراسة أثر توظيف هذه الاستراتيجية في تدريس العلوم، ومن ذلك دراسة الفركاحي والعباجي (2019) التي هدفت للتعرف على أثر استراتيجية المحطات العلمية في تعديل الفهم الخاطئ للمفاهيم العلمية لدى طلاب الصف الأول المتوسط في مادة العلوم، ولتحقيق هدف البحث استخدم التصميم التجريبي ذو المجموعتين (التجريبية والضابطة) بحيث تدرس المجموعة التجريبية وفق المحطات العلمية، والمجموعة الضابطة تدرس وفق الطريقة الاعتيادية، وتوصلت الدراسة إلى أثر الاستراتيجية الحديثة في علاج الفهم الخاطئ للمفاهيم العلمية.
كما ذهبت دراسة داود (2016) إلى التعرف على أثر استراتيجية المحطات العلمية في التحصيل وعادات العقل لدى طلاب الصف الرابع العلمي، تطلبت الدراسة اختيار عينة مكونة من (42) طالبا من طلاب الرابع العلمي تم توزيعهم على مجموعتين، إحداهما تجريبية درست وفق استراتيجية المحطات العلمية وأخرى ضابطة درست وفق الطريقة الاعتيادية، وتوصلت الدراسة إلى أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية لصالح المجموعة التجريبية، وأوصى الباحث بضرورة الاهتمام باستراتيجية المحطات العلمية في تدريس مادة الأحياء.
أما دراسة سليمان (2015) فقد هدفت إلى تقديم برنامج أنشطة مقترح قائم على المحطات العلمية لإكساب أطفال الروضة بعض المفاهيم العلمية وعمليات العلم، وأثبتت الدراسة فاعلية برنامج الأنشطة المقترح في إكساب الطلاب للمفاهيم العلمية وعمليات العلم، وأوصى البحث بضرورة إعداد مزيد من البرامج في التربية العلمية لأطفال الروضة والاهتمام بتطبيقها في رياض الأطفال المصرية، وضرورة تضمين منهج رياض الأطفال المفاهيم العلمية المناسبة والأساليب والأنشطة والوسائل التعليمية المناسبة التي تساعد على تحقيق أهداف التربية العلمية في رياض الأطفال.
يستنتج من الدراسات السابقة الأثر الفاعل والإيجابي لتوظيف استراتيجية المحطات العلمية على تعديل المفاهيم الخاطئة التي يحملها الطلاب، بالإضافة إلى دور الاستراتيجية في تحسين تحصيل الطلاب وعادات العقل لديهم، كما أن لهذه الاستراتيجية دوراً إيجابياً في إكساب الطلاب المفاهيم العلمية وعمليات العلم.

تطوّر استراتيجية المحطات العلمية

يذكر مصمم استراتيجية المحطات العلمية دينز جونز أربعة أنواع للمحطات العلمية التي يمكن للمعلم أن يصممها اعتماداً على أهداف الدرس والزمن المتاح وعدد الطلاب والموارد المتوفرة، إلا أن هذه الأنواع قد تطورت إلى أن وصلت لاثني عشرة نوعاً -على حد إطلاع الباحثة- لذلك سوف يتم استعراض أنواع المحطات وفقاً للتطور الزمني الذي لحق بهذه الاستراتيجية، بدءً بالأنواع التي أوردها دينيز (Jones, 2007) وهي:
  1. المحطات العملية: هي محطات التي توفر للطالب الفرصة لممارسة أنشطة تجريبية وعملية.
  2. المحطات البصرية: محطات توفر للطالب مواد تستهدف حاسة البصر كالصور والرسوم.
  3. المحطات السمعية: محطات تمكن الطلاب من الاستماع إلى التسجيلات وإجراء المناقشات.
  4. المحطات الإلكترونية: محطات تعتمد على عرض الوسائط المتنوعة والعروض التقديمية على جهاز الحاسب الآلي.
ويضيف كل من الأمبوسعيدي والبلوشي (2009) على ما سبق من أنواع المحطات العلمية ما يأتي:
  1. المحطات القرائية: وهي محطات تتوفر فيها الفرصة للطلاب للاطلاع على الكتب والمجلات والمراجع المتنوعة.
  2. المحطات الاستشارية: هي محطات يتم فيها استضافة الخبراء في مجال معين كطبيب أو مهندس ليتم طرح الأسئلة عليهم من قبل الطلاب.
  3. محطات متحف الشمع: ويقف فيها المعلم أو أحد الطلاب ويرتدي لباسا مميزا لتمثيل الشخصية العلمية التي ترتبط بموضوع الدرس كأن تكون شخصية عالم فيزيائي.
  4. محطات النعم أو لا: ويقوم فيها الطلاب بطرح مجموعة أسئلة للخبير في المحطة والتي يجيب عليها بنعم أو لا فقط.
  5. المحطات السمع/ بصرية: وهي المحطات التي توفر أنشطة تستهدف حاستي السمع والنظر من خلال توفير مقاطع الفيديو والأفلام.
  6. مراكز التعلم: ويقصد بها تطوير المحطات العلمية بحيث تحقق التكامل بين المجالات المختلفة فمثلاً محطة تتناول الموضوع من ناحية الرياضيات وأخرى من الناحية الدينية وأخرى من الناحية العلمية.
  7. مراكز الذكاءات المتعددة: ويتم خلالها تنويع المحطات العلمية وفقاً للذكاءات المتعددة؛ بحيث تخصص محطة للذكاء اللغوي وأخرى للذكاء المهاري وهكذا بحسب طبيعة الدرس وبما يراعي أنواع الذكاءات لدى الطلاب.
كما أن شواهين (2014) يضيف ستة تصاميم أخرى للمحطات العلمية بالإضافة إلى ما سبق مثل: المحطات الدائمة، المحطات المتغيرة، محطات اللعب، المحطات الرياضية، محطات الدراسات الاجتماعية والشعوب، المحطات الفنية.
ومن التطوير الذي لحق بهذه الاستراتيجية ما قدمته المعلمة أريج علي الغامدي الفائزة بجائزة المعلم المتميز على مستوى جدة نظير قيامها بإعداد مشروع تربوي قائم على تطوير استراتيجية المحطات العلمية بحيث تتحول جميع المحطات إلى محطات إلكترونية لكن الطالب يمارس خلال تنقله بينها أنواعا مختلفة من الأنشطة (الغامدي، 2016).

أدوار المتعلم والمعلم في استراتيجية المحطات العلمية

يُعد المتعلم محوراً للتعلم خلال تطبيق استراتيجية المحطات العلمية؛ فالطالب خلال هذه الاستراتيجية يمر بخبرات متنوعة تلائم احتياجاته، يمارس أنشطة حركية وينتقل بين المحطات، ينخرط في عمليات العلم كالملاحظة والاستنتاج في سبيل التوصل إلى المفاهيم الجديدة، كما أن الطالب يناقش ويحاور زملاءه في المحطة ويتعاون معهم في حل الأنشطة، ويطرح الأسئلة المتنوعة، وفي ضوء ذلك فإن المعلم يمارس عدداً من الأدوار التنظيمية والإرشادية، كالآتي: (الأمبوسعيدي، والبلوشي، 2009)
  1. تحديد أنواع المحطات التي سوف يصممها بما يتوافق مع أهداف الدرس وطبيعة المحتوى والإمكانات المتاحة.
  2. تنظيم الصف بطريقة تناسب تحرك الطلاب بين المحطات.
  3. تجهيز كل محطة بالأدوات والمصادر وأوراق العمل.
  4. تقديم مقدمة شيقة حول الدرس وتقديم التعليمات التي يحتاجها الطلاب أثناء تنقلهم بين المحطات.
  5. تقسيم الطلاب على مجموعات من 3-5 طلاب في كل مجموعة.
  6. تحديد الزمن المخصص للبقاء في كل محطة تعلم.
  7. اختيار الطريقة الملائمة لتنقل الطلاب بين المحطات سواءً كان بجعل الطلاب يتنقلون بين جميع المحطات، أو تكرار بعض المحطات وجعل الطلاب يتنقلون بين نصف المحطات المتاحة اختصاراً للوقت، أو بجعل أعضاء المجموعة الواحدة ينتشرون بين جميع المحطات ثم يلتقون عند انتهاء الزمن لتبادل المعلومات.
  8. إعلان زمن انتهاء التنقل بين المحطات وتوجيه الطلاب للعودة إلى مقاعدهم.
  9. إدارة حلقات النقاش الصفية وتقديم التغذية الراجعة للطلاب.

مميزات استراتيجية المحطات العلمية

يذكر العنكبي (2014) عدداً من المميزات لتوظيف استراتيجية المحطات العلمية في الصف، ومما يذكره ما يأتي:
1- التغلب على مشكلة نقص الأدوات والموارد حيث أن توظيف هذه الاستراتيجية يتطلب أن يتم توفير الأدوات لمجموعة واحدة فقط بدلاً من توفيرها لجميع المجموعات.
2- انخراط الطلاب في عمليات العلم من خلال إشراكهم في تنفيذ التجارب المعملية بدلاً عن الاكتفاء بمشاهدة المعلم وهو ينفذها.
3- كسر الجمود والملل الصفي وإعطاء الفرصة للطلاب للحركة داخل الصف.
4- تنويع الخبرات العملية والنظرية التي يمر بها الطلاب داخل الصف وبالتالي تلبية احتياجاتهم التعلمية.

عيوب استراتيجية المحطات العلمية

بالرغم من المميزات العديدة لتوظيف استراتيجية المحطات العلمية إلا أن هناك بعض العيوب التي قد يلاحظها المعلم أثناء توظيف هذه الاستراتيجية، من ذلك:
  1. تنقل الطلاب بين المحطات العلمية قد يؤدي إلى الفوضى داخل الصف.
  2. التفاوت بين مستويات المجموعات قد يؤدي إلى انتهاء بعض المجموعات من المحطة قبل انتهاء الزمن وبالتالي قد يسبب مللا للطلاب ومن ثم تثار الفوضى.
  3. تتطلب هذه الاستراتيجية توفر مساحات واسعة للصفوف الدراسية ليتسنى تنظيم طاولات المحطات والتنقل بينها بشكل سلس.
  4. يحتاج تطبيق هذه الاستراتيجية إلى بذل مجهود مضاعف من المعلم وخاصة خلال مرحلتي التخطيط والتدريس.
وللتغلب على هذه العيوب تذكر جيسيكا بوشنBoschen, 2018) ) نصائح لزيادة فاعلية توظيف الاستراتيجية، مثل:
  1. التحقق من ملائمة المساحة الصفية وتجهيزاتها للمحطات العلمية التي ينوي المعلم تصميمها مثل: هل تتوفر أجهزة حاسوب وموارد رقمية؟ هل تتوفر صنابير للمياه وأحواض لتنفيذ بعض التجارب العلمية؟
  2. التجهيز المتكامل المسبق للمحطات بحيث يشمل هذا التجهيز تعليمات المحطة، أوراق العمل، مصادر للقراءة، ويفضل أن تميز كل محطة بلون مختلف وأن ترتب هذه الأوراق في سلال ملونة لمزيد من التنظيم.
  3. يفضل أن يتم تقسيم الطلاب في مجموعات صغيرة غير متجانسة بحيث تضم طالبين أو ثلاثة وذلك أضمن لعدم حدوث الفوضى؛ كما أن المجموعات غير المتجانسة تؤدي إلى دعم الطلاب الضعاف من قبل الطلاب الأعلى مستوى.
  4. تدريب الطلاب جيداً بكيفية العمل أثناء المحطات العلمية وقبلها وبعدها، وإخبارهم عما سيفعلونه وماذا يُتوقع منهم القيام به، مثل كيف يحصلون على المواد؟ كيف يعملون معًا داخل المجموعة؟ ماذا يفعلون إذا كانت هناك مشكلة؟ كيف ينظفون المحطات العلمية قبل مغادرتها؟

استراتيجية المحطات العلمية في الميدان

ترى الباحثة من خلال خبرتها في ميدان التعليم أن استراتيجية المحطات العلمية تمثل خياراً مثالياً للدروس المعملية المتضمنة في الوحدة الدراسية؛ حيث أن ضيق الوقت قد يحول دون تقديم كل تجربة في حصة مفردة، إضافة لنقص أدوات بعض التجارب؛ لذلك فقد تلجأ المعلمة إلى توظيف هذه الاستراتيجية لتقديم تجارب وحدة دراسية كاملة خلال حصة أو حصتين، وذلك من خلال تجهيز المحطات العلمية في المعمل بحيث تحتوي كل محطة على تجربة واحدة بالإضافة إلى أوراق عمل التجارب؛ وتنفذ المعلمة خطوات الاستراتيجية كاملة كما هي، كما أن توظيف استراتيجيات محطات التعلم في مراجعة التجارب العملية في ختام المنهج يُعد فعالاً للغاية بحسب تجربة الباحثة.

الخاتمة

في ضوء ما تقدم فإن تفعيل التدريس المتمايز واستراتيجياته داخل الصف لا يعد أمراً ثانوياً؛ بل هو أمر ضروري لتحقيق التعلم الحقيقي، بالإضافة إلى أنه إيفاء بحق الطالب في التعلم الملائم لخصائصه واحتياجاته.

ليست هناك تعليقات